samedi 6 juin 2015



ماذا حقق المغرب من عاصفة الحزم
بقلم: إدريس قسيم*

قد يتبادر إلى الذهن منذ الوهلة الأولى لقراءة عنوان هذا المقال التحليلي أنه - أي العنوان- لم يحن بعد وقت طرحه، خاصة وأن العمليات العسكرية التي تتم ضمن إطار عاصفة الحزم التي تحولت إلى عملية إعادة الأمل دون أي تغير جوهري في ظروفها أو سياقها أو أهدافها لم تنته بعد، إلا أن المعطيات العسكرية والسياسية  المرتبطة بالأزمة اليمنية تدفعنا إلى التساؤل في هذه المرحلة عن ترتيبات ما بعد عاصفة الحزم وتداعيات ذلك على شتى المستويات، وكذلك عن المكاسب السياسية  والعسكرية والإستراتيجية بالنسبة لكل دولة من دول التحالف خاصة تلك غير المعنية بشكل مباشر ومؤثر  في الصراع الجيوسياسي والجيوستراتيجي في الخليج العربي، ومن بين هذه الدول المغرب الذي يشارك في عاصفة الحزم بست مقاتلات حربية من طراز ف 16 فقد إحداها في العاشر من مايو 2015 إثر إسقاطها من طرف المضادات الجوية للقوات الحوثية.
وبالرجوع إلى المعطيات العسكرية والسياسية يمكن القول أنها "تشرعن" طرح هذا التساؤل. عسكريا يحمل تقدم ما يسمى بالمقاومة الشعبية وقبائل مأرب على وجه الخصوص نحو معاقل الحوثيين في شمالي اليمن في محافظة صعدة دلالات مهمة أولها إزالة التهديد الذي يمثله الحوثيون على حدود المملكة العربية السعودية أو تأجيله إلى إشعار آخر في أسوأ الأحوال،  وثانيها إضعاف موقعهم ونفوذهم كرقم مهم ضمن معادلة التنافس والصراع الاستراتيجيين بين إيران والجبهة المقابلة التي يمثلها التحالف المشارك في عاصفة الحزم، وثالثها ما يمكن أن نعتبره أول تهديد حقيقي وجدي للوجود الحوثي في حد ذاته. سياسيا، لا تخلو الأجواء المشحونة من "انتعاش" النبرة السياسية والتي تجسدت أولا في الإقدام على عقد مؤتمر سياسي في أوج الاشتباك العسكري وهو مؤتمر الرياض الذي جمع مختلف أطياف المشهد السياسي اليمني، وثانيا حضور قيادات مهمة عن حزب المؤتمر الشعبي العام -الذي يزعمه الرئيس اليمني السابق عبد الله علي صالح حليف الحوثيين- للمؤتمر، وثالثا وهو الأهم دعم مجلس الأمن الدولي لعقد مؤتمر سلام يمني في جنيف أي في أرض "محايدة" وهو مطلب حوثي بامتياز، دون إغفال أن الإعلان عن هذا المؤتمر جاء بعد لقاء مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ بوزير خارجية مصر أحد أبرز الدول المشاركة في عاصفة الحزم.
إن هذه "الخلخلة" في الأحداث والمعطيات المرتبطة بالأزمة اليمنية يدفعنا إلى الاعتقاد بأن تحولات مهمة في المسألة اليمنية في طور التشكل والحدوث خلال الأسابيع - إن لم يكن الأيام- القليلة القادمة، وبالموازاة مع ذلك نعتبر أن النقاش حول المسألة اليمنية في المغرب لابد وأن ينتقل من الحديث عن الدوافع والأسباب إلى النتائج والتداعيات خاصة وأن الأمر يتعلق بانخراط مباشر وميداني وعملياتي في الحرب الدائرة هناك، وليس مجرد دعم سياسي أو لوجستي.
إذا كان الظاهر في مشاركة المغرب في عاصفة الحزم لا يختلف عن سوابق أو حالات أخرى كان للقوات المسلحة المغربية نصيب من الانضمام أو الاصطفاف إلى جانب طرف على حساب آخر ونحن لا نتحدث هنا عن المشاركات التي تمت ضمن إطار منظمة الأمم المتحدة فهي تختلف كليا لا من حيث الشكل أو المضمون عن عملية عاصفة الحزم،  فإن التدقيق في السياقات المختلفة المرتبطة بهذه الحملة يجعلنا أمام حالة مختلفة مما يعني بطبيعة الحال نتائج وتداعيات مختلفة وهي:
النتائج المرتبطة بأطراف النزاع: إذا كانت المعارك العسكرية الدائرة في اليمن محتدمة بين تحالف عاصفة الحزم والحوثيين إلى جانبهم القوات التابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، فإن المعارك الإستراتيجية هي في الحقيقة بين أطراف متعددة، وذلك انطلاقا من المصالح المختلفة والمتشابكة التي تلتقي وتتناغم لدى أطراف وتتنافر وتختلف لدى أخرى. فإيران والولايات المتحدة الأمريكية وسوريا والعراق وتركيا والقاعدة وتنظيم الدولة كلها معنية بشكل أو بآخر بما يجري في اليمن ولديها حساباتها الخاصة المرتبطة بمصالحها ومنافعها الإستراتيجية الذاتية، أما بالنسبة للمغرب فهو غير معني بشكل مباشر سواءً بالصراع الدائر أو بالتحالفات القائمة بين أطراف النزاع ولكنه بالمقابل منخرط و"مشتبك" بشكل فعلي في العمليات العسكرية.
 من وجهة نظر علائقية هذه الوضعية لن تقوي من متانة شبكة تحالفات المغرب وعلاقاته الدولية مادام أن الأمر يتم في إطار التفاهمات الضمنية بين المغرب ودول الخليج خاصة الإمارات والمملكة العربية السعودية والتي تعني المشاركة العسكرية من جانب المغرب في مقابل الدعم المالي من جانب الإمارات والسعودية، وهي علاقة ومعادلة مختلة وغير متوازنة بالنظر إلى أنها - أي العلاقة - لم ترق منذ عقود من العلاقات المغربية الخليجية إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية أو التعاون الاقتصادي متعدد المجالات والمستويات.  
النتائج المرتبطة بالتكلفة: ظل اليمن الفقير منذ أمد بعيد في معزل عن غنى وثروة جيرانه في الخليج، ولم تلتفت إليه المملكة العربية السعودية وباقي حلفائها الخليجيين إلا من أجل استعادة ما يسمى بالشرعية عن طريق الحرب التي أحدثت وضعا إنسانيا متدهورا ومتفاقما إلى غاية اليوم، حيث بات نصف السكان أي حوالي 24 مليون يفتقدون الطعام والماء النقي والوقود والأدوية، وأكثر من نصف مليون نزحوا عن مساكنهم ومناطقهم بعيدا عن الحرب والمعارك.
إن حجم الخراب والدمار الذي أحدثته الحرب يطرح مسؤولية سياسية ومعنوية على كل دول التحالف، وإذا كانت دول الخليج قادرة على تحمل هذه المسؤولية - وهو أمر محل تساؤل وشك في حد ذاته -  من خلال ما يمكن أن نسميه بالتفاهمات "المالية" عبر بوابة "إعادة الإعمار" التي تتم في مراحل لاحقة كما هو الحال بالنسبة للحملات والحروب من هذا القبيل فإن الدول الأخرى غير قادرة وغير مؤهلة لذلك.
لقد حمل المغرب نفسه جزءا من هذه المسؤولية السياسية والمعنوية وقد كان في غنى عنها، إذ لا يجب أن نغفل أن الطرف الآخر المتمثل في جماعة الحوثي المدعوم من قوة لها باع مهم في "البروباغندا" والحرب الإعلامية وهي إيران، يعتمد بدوره على خطاب إعلامي وترويجي يرتكز على لغة "العدوان" و"المظلومية" و"التدخل في الشؤون الداخلية" وغيرها وهو خطاب قد يجد صداه لدى دوائر دولية وإقليمية مؤثرة خاصة مع مرور الوقت وطول أمد الحرب وعدم قدرة التحالف حسمها جويا.
التداعيات ذات الطبيعة الجيوسياسية: يظل المعطى الجيوسياسي بالنسبة لهذه الحرب أحد أهم العناصر الموجهة وربما الحاسمة، سواءً من حيث مسبباتها أو من حيث سيرها وتطورها أو من حيث نتائجها وتداعياتها.
هذا النزاع الإقليمي يقع بالنسبة للمغرب في منطقة جغرافية بعيدة ليس له معها ارتباط جيوسياسي من قريب أو من بعيد. واستنادا إلى منطق التحليل الجيوسياسي فإن تقييم مشاركة المغرب في عاصفة الحزم لا بد أن يتم من خلال مدخلين رئيسيين: الأول التحديات والثاني التهديدات.
بالنسبة للتحديات الجيوسياسية فيمكن إجمالها في ثلاثة عناصر أساسية:
تحدي ملف الصحراء: إذا كانت دول الخليج تعتبر داعما ومساندا محوريا للمواقف والأطروحات المغربية حول الملف، إلا أن الثابت أن مفاتيحه ليست في الخليج العربي وإنما لدى الخمسة الكبار في مجلس الأمن خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، كما أن أي انفراج محتمل للقضية لحساب المغرب قد يكون مرتبطا بالمحيط الجيوسياسي القريب للمغرب ويتعلق الأمر بتوافق أو تفاهم إقليمي خاصة بين المغرب والجزائر. كما أن التحولات التي عرفتها القضية خلال العقد الأخير تحتاج وتستلزم حركية ومكنزمات ذات طبيعة سياسية ودبلوماسية قوية، يمكن تحقيقها فقط من خلال شبكة علاقات متينة ومتعددة الأطراف والمستويات وليس من خلال الاستجابة لمطالب الحلفاء بالانخراط في الحملات العسكرية.

تحدي القطبية الإقليمية والجهوية: تفرض طبيعة الموقع الجيوسياسي للمغرب، وكذلك قابليته للامتداد والانفتاح الإقليمي والجهوي بفعل استقراره السياسي ضرورة تحوله إلى قطب إقليمي وجهوي ذي أدوار متقدمة، ويمكن حصر هذه الأدوار في: أولا، المساهمة في استقرار واندماج الفضاء المتوسطي، ثانيا، الوساطة السياسية والدبلوماسية بالنسبة للنزاعات ذات الطبيعة الإقليمية كما هو الحال بالنسبة للأزمة الليبية، ثالثا، دور البوابة والمعبر الرابط بين أوربا وإفريقيا من جهة وبين الفضاء الأطلسي والعالم العربي والإسلامي من جهة أخرى.

تحدي تثبيت مقومات التوجه المغربي نحو إفريقيا وتوطيد دعائم هذه العلاقة الإستراتيجية المفتوحة على مستقبل وإمكانات مهمة للتطور في صالح الدولة المغربية.

على مستوى التهديدات ذات الطبيعة الجيوسياسية:

لقد ظل المغرب بفعل بعده الجغرافي عن بؤر التوتر والنزاع وبفضل نهجه لسياسة خارجية مرتكزة على جودة الأداء الدبلوماسي محصنا ضد العديد من التهديدات، ونقصد هنا على وجه الخصوص الحروب والنزاعات الدولية والإقليمية التي أنهكت واستنزفت دولا عربية وإسلامية أخرى، إلا أن عالمية التهديد الإرهابي جعلته سابقا هدفا لهجمات إرهابية في 16 ماي 2013، وليس بمعزل حاليا عن النوايا الإرهابية لتنظيم الدولة، ولكن انشغال هذا الأخير بالحروب الدائرة في عراق وسوريا وكذلك اشتغاله وفق أهداف وأجندات قد لا تتوافق وخيار  نقل معاركه وتهديداته خارج النطاق الجغرافي للشرق الأوسط والعراق، فإن هذا التهديد يظل ضعيفا بالنسبة للمغرب.

وما قلناه بالنسبة لتنظيم الدولة وللتهديد الإرهابي ينطبق على إيران المنشغلة بتفاهمات وترتيبات ما بعد اتفاقها النووي مع الدول الكبرى. فمقولة تصدير الثروة التي جعلتها العديد من الدول العربية "السنية" سببا لمواجهة إيران وبناء إستراتيجية قائمة على محاربة النفوذ الإيراني ومقاومة التشيع، لم تعد المحرك الرئيسي لسياسة إيران الخارجية ولطموحاتها الإستراتيجية، فالأمر يتعلق بمشهد جيوسياسي وجيوستراتيجي معقد الخفي فيه أكثر من الظاهر.

مشاركة المغرب في عاصفة الحزم من هذا المنطلق لا تفسره التحديات الخارجية التي يواجهها ولا يمكن إدراجه ضمن الخطوات أو الإجراءات الاستباقية لمواجهة تهديدات محتملة لا من إيران والحوثيين ولا من تنظيم الدولة، كما أن المغرب غير معني أو بعبارة أخرى غير متضرر من التوازن الاستراتيجي الذي كان قائما في منطقة الخليج العربي، وقد لا يستفيد كثيرا من أي تحول في هذا السياق.

إن طبيعة الصراع والاستقطاب القوي والعنيف الحاصل حاليا في الشرق الأوسط  والعراق والخليج العربي محركه الأساسي هو الفوضى وخلط الأوراق، حيث يصعب التنبؤ بالمسارات المحتملة للمشهد العام في المنطقة، ويصعب كذلك تحديد معايير النصر والهزيمة بالنسبة لكل الأطراف. كما أن حالة انعدام الاستقرار غير المفهومة والتي لا نهاية لها في المنطقة لا تخدم بأي حال من الأحوال الدول التي تواجه تحديات مهمة على المستويين الداخلي والخارجي سياسيا واقتصاديا مثل المغرب، الذي بنى سياسته الخارجية وسمعته الدولية استنادا على نوع من القوة الدبلوماسية ومن القدرة على الاحتواء وعلى تقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة في حالات عدة. أما ما يقع في اليمن وما يرتبط به إقليميا ودوليا فليس من مصلحة المغرب الانخراط فيه ميدانيا وعملياتيا.

* باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله، فاس، المغرب.









dimanche 26 avril 2015

ماذا حققت عاصفة الحزم؟
بقلم: إدريس قسيم*

مع إعلان المتحدث باسم عاصفة الحزم  العميد الركن أحمد العسيري يوم الثلاثاء الماضي انتهاء عملية عاصفة الحزم وبداية عملية إعادة الأمل، وأن العملية العسكرية حققت جميع أهدافها بعد تنفيذ 2415 طلعة جوية، أصبح التساؤل الأبرز المطروح من قبل المتتبعين هو إلى أي حد يمكن الحديث عن نجاح هذه العملية العسكرية في الحد من القدرات العسكرية للحوثيين ومنعهم من التقدم نحو مدن ومناطق يمنية أخرى في أفق السيطرة على مجموع التراب اليمني؟ وهل أصبحت الشرعية السياسية التي يمثلها الرئيس عبد ربه منصور هادي في مأمن من تربص القوى المضادة لثورة التغيير في اليمن؟ وأخيرا هل مهدت عاصفة الحزم الأجواء لتسفر عن ميزان قوى جديد في الخليج العربي والشرق الأوسط بحسب تصريح المتحدث باسم عاصفة الحزم؟
هذه هي المقولات الثلاث التي انبنى عليها الخطاب السياسي المواكب والمؤسس لعاصفة الحزم، والتي سنحاول تقييمها خلال هذا المقال
عاصفة الحزم والحد من القدرات العسكرية للحوثيين
لا تزال الأرقام المتعلقة بالخسائر العسكرية للحوثيين غير معروفة بدقة، والسبب في ذلك بطبيعة الحال نوعية العمليات العسكرية التي اعتمدت على الطلعات الجوية، وإذا كانت هذه الأخيرة قد منحت قوات التحالف أفضلية ومكنتها من تدمير جزء مهم من القوة الهجومية لجماع الحوثي، فإنها بالمقابل لم ولن تقض عليها نهائيا والدليل هو استمرار الاشتباكات العنيفة والهجومات الخاطفة للحوثيين وقوات صالح على معاقل رئيسية ومهمة للقوات الموالية للرئيس هادي، على مستوى آخر كشف تقرير صادر عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث باليمن أن مسلحي جماعة الحوثي يسيطرون على حوالي 70%  من من قدرات الدولة اليمنية العسكرية دون إغفال أن الحوثيين خاضوا معاركا وحربا طويلة ضد الدولة اليمنية منذ 2004 في الوقت الذي كا يبدو في الجيش اليمني – ظاهريا على الأقل- متماسكا وموحدا ضمن جبهة قتال واحدة وهو ما يعني أن أمام الحوثيين مزيدا من فرص المناورة وإعادة ترتيب الصفوف خاصة في ظل الامتياز الميداني المتمثل أولا في استمرار سيطرتهم على مناطق ومساحات شاسعة في صعدة وصنعاء وإب والحديدة وغيرها، وكدلك صعوبة التضاريس الجغرافية التي تمثل عاملا مساعدا للحوثيين.

حماية الشرعية السياسية التي يمثلها الرئيس هادي
أبرز المقولات التي بني عليه خطاب الحرب هو حماية الشرعية السياسية التي يمثلها الرئيس هادي، ويبدو أن هذه الحجة تبقى الأضعف ضمن مجمل المصوغات التي قدمتها القوات التحالف. إن الدعوة إلى حماية الشرعية هو بالأساس موقف يتناقض مع مجمل السلوك السياسي للمملكة العربية السعودية التي تقود عاصفة الحزم والتي اتخذت القرار بشن العملية، فحماية الشرعية السياسية المنبثقة عن ثورة شعبية مبدأ عام يعبر في الحقيقة عن عقيدة الدولة السياسية خارجيا وداخليا، والسياقات المختلفة التي حملت عبد ربه منصور هادي إلى السلطة والمتمثلة في الربيع العربي الذي تبدي المملكة العربية السعودية منه توجسا وازعاجا واضحا هي نفسها التي جاءت بمحمد مرسي إلى رئاسة مصر، ومع ذلك فالنظام السعودي سعى جاهدا وبكل ما أوتي من قوة سياسية واقتصادية واستخباراتية إلى الإطاحة بمرسي وشجع السلطة الجديدة في مصر على محو كل ما من شأنه أن يرمز إلى حقبة حكمه.
لقد راهن التحالف ضمن أهداف الحملة السياسية إجبار الحوثي على القبول في الدخول مسلسل حوار جديد وفق شروط ومعطيات جديدة غير تلك التي فرضها بقوة السلاح خلال جولات الحوار السابقة والتي من المؤكد أنها لم تكن تتم إلا بغرض تقديم تغطية سياسية لتوسع ميليشياته على الأرض، غير أن هذا الرهان ولغاية اللحظة يبدو بعيد المنال على اعتبار أن الضربات الجوية لم تكن موجعة إلى الحد الذي يمكن أن تفرض واقعا سياسيا جديدا في اتجاه دعم شرعية الرئيس هادي.
عاصفة الحزم  والتوازن الإقليمي الجديد في المنطقة
يبدو جليا من خلال تحرك السعودية وحلفائها أن المعطيات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الإقليمية كانت محددة وحاسمة وموجهة لإطلاق عاصفة الحزم، والغرض من ذلك الحد أو التأثير – على الأقل – من النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة خاصة في العراق وسوريا بالإضافة إلى لبنان.
إن الذي فرض هذا الواقع الجيوسياسي والجيوستراتيجي الجديد هي إيران ومجمل تحركات السعودية ودول الخليج وشركاء عاصفة الحزم تدخل ضمن دائرة ردود الأفعال، ومن الثابت لدى خبراء الجيوسياسيا والجيوستراتيجيا أن ردود الأفعال لا يمكن أن تحدث اختراقات كبرى على مستوى التوازنات الإقليمية والعالمية الكبرى، إذ أن هذه المهمة لها ميزة أساسية وهي التراكم المبني على رؤية شمولية ومتكاملة. وعلى الرغم من أنه لأول مرة في تاريخ الدول العربية منذ نكبة 1948  يتم تشكيل تحالف عسكري عربي وهي خطوة ذات دلالات سياسية وعسكرية مهمة لا يمكن تجاهلها فإنه بالمقابل استطاعت إيران خلال أزيد من ثلاثة عقود أي منذ ثورة 1979 أن تفرض إلى حد ما واقعا استراتيجيا إقليميا متقدما في منطقة الخليج العربي، مرتبط بتوازنات ومصالح واستراتيجيات عالمية، وهي  بذلك تستفيد من دربة وخبرة اكتسبتها عبر عقود من المناورة ومن الصراع الاستراتيجي مع الغرب وهو الواقع الذي لا يمكن تجاهله ولا خلخلته  ولو عن طريق حملة عسكرية جوية محدودة مثل عاصفة الحزم.
لم يعد بعد عبد ربه منصور هادي إلى عدن ولا إلى صنعاء، ولم ينسحب الحوثيون إلى صعدة أو يسلموا أسلحتهم التي استولوا عليها للجيش اليمني، وأعلن عن انتهاء عاصفة الحزم وتحقيق الأهداف من ورائها فيما لاتزال الغارات الجوية مستمرة، ولا يوجد حديث إلى غاية الآن عن أي حل سياسي يمكن أن يشكل مخرجا مناسبا وحلا مقبولا لكل الأطراف، وهي المعطيات التي تؤكد وجود نوع من الارتباك لدى التحالف الذي لم يعد أمامه الكثير من الوقت لإيجاد مخرج للأزمة ويحفظ به ماء وجهه.  
* باحث في العلاقات الدولية